لم يعد النزال والحسم العسكري بالحديد والنار على أرض المعركة بين الدول التي تعيش صراعات في ما بينها هو الحل الأمثل والوحيد في العصر الحالي، بل أنه أصبح الحل الثانوي والهامشي والأخير في ظل التصعيدات والإجراءات الأخرى التي تتخذها الدول في حق بعضها البعض، تتمثل بعدة خطوات أبرزها التضيق والحروب الإقتصادية، حيث أن الضغط على الدول من الجوانب الاقتصادية من خلال مقاطعتها أو إنتهاج حملات إقتصادية نحوها أو فرض عقوبات إقتصادية عليها في ظل حملات إلكترونية كبيرة بات الحل الأنسب بل و الأنجع في عصرنا الحالي.
تماما كحال تركيا مع بعض الدول الأخرى التي تعيش صراعا أو عِداء معها، فقد شهدنا تدهور الليرة التركية في العاميين الأخيرين بصورة كبيرة تبعا للعقوبات التي فرضتها أمريكا عليها بسبب رفض تركيا الإمتثال لشروط واهية تحاول تركيا المساومة عليها. من جانب آخر و بسبب الحروب التي دخلتها تركيا في العقد الأخير تعاني من حملة مقاطعات إقتصادية يقودها الشعوب بشكل ظاهري، ولكنها مدفوعة بشكل مباشر وعلني من الحكومات والقيادات السياسية في الدول مثل الإمارات و السعودية. حيث أطلق الشعب السعودي حملة على التويتر تصدرها وسم “#قاطعوا_المنتجات_التركية” بعد أن بدأت هذه الحملة الحكومة ووزرائها بحجة أن تركيا تشكل خطر على العالم العربي في المنطقة لذلك يجب على الشعوب العمل على التصدي لها وللخراب الذي تحمله.
وضحت التقارير أن هذه الحملات، وبشكل لا يمكن إغفاله أدت إلى إنخفاض التعامل الإقتصادي من إستثمار وتبادل تجاري بنسبة 17% من عام 2018 حتى اليوم وبشكل أكثر تفصيل انخفضت مبيعات المنتجات التركية، وعلى رأسها منتجات التبغ والسجاد والمنسوجات والأجهزة والمعدات الكهربائية والكيماويات والحبوب والأثاث والصلب في السوق السعودية خلال الأشهر الثمانية الأولى من 2020 إلى نحو 1.91 مليار دولار، مقارنة مع الفترة نفسها في 2019، التي بلغت فيها الصادرات التركية إلى السعودية 2.3 مليار دولار. أما على صعيد السياحة فقد تراجع ترتيب السياحة من السعودية إلى تركيا إلى المرتبة 11 بعد أن كانت في المرتبة الرابعة في 2018.
وضح بدوره المحلل الإقتصادي جلال بكار أن هذا الأمر سيتضرر من خلاله كلا الجانين، وليس الحكومة التركية وحدها فحسب، فكما تضرر الإقتصاد التركي سيتضرر الإستهلاك الشعي في الدول العربية. حيث أن المناطق العربية هي مناطق إسلامية تحاول البحث دائما عند الإستيراد عن منتجات حلال أتخذ أثناء تصنيعها مبادئ الشريعة الإسلامية بشكل صحيح، وفي الوقت الذي يتميز فيه المنتج التركي بأنه ذو جودة عالية وسعر منافس وأيضا مناسب للمنطقة العربية من منطلق إسلامي و ديني فإن المستوردين العرب سيجدون صعوبة في إيجاد سوق بديل بنفس هذه الجودة. ونوه الأستاذ بكار أيضا أن إنخفاض الليرة في الوقت الحال هو في صالح المستثمر العربي أكثر من أي وقت، لأن ذلك يعني شراء السلع وإستيرادها بسعر أقل مما كان عليه في السنوات السابقة.
على صعيد الحلول لهذه الأزمة فند الأستاذ بكار عدة نقاط أولا أن عودة الإتحاد الخليجي لتعاونة وتماسكه السابق هو الطريق الأمثل لإنفراجة إقتصادية على صعيد إقليمي خليجي داخلي وأيضا على صعيد تركيا والشرق الأوسط كاملا. من جانب آخر دعى الأستاذ بكار التجار إلى رسم خططهم الإقتصادية في ظل الظروف السياسية، والبحث عن أسواق بديلة فتركيا تعيش حاليا تقارب مع الدول الإفريقية وأوكرانيا وبريطانيا وكندا مما ينبئ بتبادل تجاري كبير في السنوات السابقة. كذلك أكد على الشعوب التي تقود هذه الحملات أنها الخاسر الوحيد في الوقت الذي تقود حكوماتهم هذه الحملات بشكل خفي أو مباشر و صريح.
لمزيد من التفاصيل تابع اللقاء الذي أجرته مسك مع الأستاذ جلال بكار من خلال الراط التالي: