مع اكتمال الاستعدادات لاستقبال الموسم السياحي، وتصاعد حملات التلقيح في تركيا، وانخفاض إصابات كورونا، تشهد إسطنبول تدفقا للزائرين في أولى ثمار السياحة هذا العام.
ميدان السلطان أحمد الشهير في إسطنبول، القلب النابض، والمتحف التاريخي المكشوف، يشهد انعكاس تعافي السياحة في تركيا، مع توافد الزائرين والسائحين بشكل مكثف إلى الميدان.
ومن النادر أنا يغادر الزائر إسطنبول دون أن تقر عيناه بزيارة “السلطان أحمد”، التي تحتضن مناطق أثرية عديدة، تجعله يتنسم عبق التاريخ، ويشعر كأنه يتجول في متاحف مكشوفة.
وتسجل تركيا يوميا تعافيا من وباء كورونا مع انخفاض الإصابات والوفيات، واتخاذ إجراءات ساهمت في الوقاية من انتشار الفيروس، وتواصل حملة التلقيح الوطنية التي اقتربت من 33 مليون شخص.
ـ حركة سياحية
تعد “السلطان أحمد” قبلة أبناء المدينة، ومقصد عموم الأتراك، والوجهة الأولى لكل سائح، فهي منطقة تأخذ الجميع من كل الأعمار والأعراق والأديان، في رحلة عبر التاريخ، يتعرفون عن كثب على حضارات لا تزال المنطقة شاهدة عليها.
وتقع المنطقة على أولى تلال إسطنبول السبع، وشهدت حضارات ودولا عريقة، وتحمل آثار 3 إمبراطوريات مزجت بين الحضارة والتاريخ والعمارة، ما يجعلها مركزا لتلاقي الثقافات والحضارات والأديان.
ميدان السلطان أحمد من أقدم الميادين التي يعود تاريخها للقرن الثاني الميلادي، حيث أنشئ في زمن إمبراطورية روما لسباق الخيل، وكانت تقام فيه أيضا الاحتفالات الموسيقية والرقص، وفعاليات اجتماعية وثقافية أخرى.
وتشهد المنطقة حركة سياحية كبيرة تراعي الإجراءات المتبعة في مكافحة وباء كورونا، في ظل تدابير تجعل السياحة آمنة في المنطقة، ومناسبة لكل الزائرين.
ـ أماكن عبادة روحية
وتضم المنطقة جامع السلطان أحمد الذي بني قبالة “آيا صوفيا”، وتم بدء العمل في إنشائه عام 1609 في زمن السلطان أحمد الأول (حكم بين 1603 و1617)، وافتتح عام 1616، واستكمل في 1619.
بني الجامع على شكل كلية تضم مدرسة ومعهدا وسوقا ومستوصفا ومقبرة، وهو الوحيد في إسطنبول المكون من 6 منارات.
ويطلق عليه الجامع الأزرق؛ لأن جدرانه الداخلية مغطاة ببلاطات خزفية ملونة بالأزرق القاتم والفاتح، ويبلغ قطر قبته 33.6م، بارتفاع 43م، ويشتهر بعمارته المميزة حيث يعد من أهم وأضخم المساجد في العالم الإسلامي.
ويتخذ مسجد آيا صوفيا مكانا له في المنطقة أيضا، حيث أنشئ على شكل كنيسة، وبعد الفتح العثماني لإسطنبول عام 1453 وحتى 1935 استخدم جامعا، وبعد هذا التاريخ تحول إلى متحف، ليعود العام الماضي لاستخدامه للعبادة.
والجامع مبني من الحجر والقرميد، ويعود تاريخ إنشائه إلى عام 537، ويعتبره مؤرخون “ثامن عجائب الدنيا”، وبناه المهندسان المعماريان أنثيميوس، وميلتلي إيسيدوروس.
ـ أماكن أثرية ومتاحف
المنطقة تضم أيضا متحف الآثار الذي يعتبر من أهم المتاحف التاريخية القديمة في تركيا، وتم التأسيس لبنائه عام 1846، ويضم تماثيل تعود للقرن الخامس قبل الميلاد، ومجموعة من الآثار الأخرى.
كما تضم قصر طوب قابي الذي كان مقر إقامة سلاطين الدولة العثمانية لأربعة قرون، في نقطة تشرف على البوسفور وخليج القرن الذهبي، وبني بين 1459 و1465، من قبل السلطان محمد الفاتح وكان مقر إقامته.
أما القصر الغارق فهو خزان مياه إسطنبول الأثري بناه الإمبراطور البيزنطي جستنيان عام 542، ويطلق عليه السكان “القصر الغارق” لفخامته؛ حيث يضم عددا كبيرا من الأعمدة الرخامية.
وتبلغ مساحة الخزان 8 آلاف و678 مترا مربعا، ويمكن الوصول إليه باستخدام 52 درجة تحت الأرض، ويضم 336 عمودا يبلغ طول كل منها 9 أمتار.
واستخدم الخزان لمئات السنين خلال العهدين البيزنطي والعثماني، لتوفير مياه الشرب للقصور وسكان المنطقة المحيطة، وفتح أمام الزوار عام 1987 بعد أن أجرت له بلدية إسطنبول عملية صيانة، وأنشأت ممرات للمشاة به.
ـ أماكن سياحية
المنطقة الشهيرة تضم حديقة غولهانة العثمانية التي تمتد على مساحة 100 ألف متر مربع بجوار قصر “طوب قابي”، وتحتفظ بأسوار عتيقة، أنشأها السلطان محمد الفاتح، بعد بناء القصر عقب فتح القسطنطينية، وباتت جزءا منه، ومتنفسا لراحة السلاطين وأبنائهم لاحقا.
وما يستقطب السائحين حمام “آيا صوفيا حُرّم سلطان”، ورغم أنها لم تستخدمه سوى مرتين، لكن “حُرّم سلطان” زوجة السلطان العثماني سليمان القانوني، كان لها فضل في إنشائه.
ويعود تاريخ إنشائه عندما طلبت “حُرّم سلطان (Hürrem Sultan)” الحمّام، فأصدر السلطان القانوني الأمر عام 1556، ليتصدى لبنائه “سنان” أشهر معماري في الدولة العثمانية.
وتتخذ المسلة الفرعونية مكانا لها في الميدان، وهي مسلة صنعتها الأسرة الفرعونية الـ18 الحاكمة في مصر، عبر تحتمس الثالث بعد فوزه في معاركه بالقارة الآسيوية عام 1450 قبل الميلاد.
ومع جميع المقومات السياحية والثقافية والتاريخية، والفرص الموجودة والإجراءات المتبعة، تعِد إسطنبول وعموم تركيا بموسم سياحي صحي خال من وباء كورونا، وسياحة آمنة لجميع الزائرين من داخل البلاد وخارجها.