من الوضح أن قضية اللاجئين من أكثر المواضيع التي ستُثار في كل مناسبة خلال المرحلة المقبلة. وهي قضية ذات مكاسب من الناحية السياسية. لا أحد يثير هذه القضية وهو مكترث بجودة البلد أوالمستوى الذي انزلقت فيه حقوق الإنسان. بل هو بكل بساطة وأريحية يتوقع من الدولة ضرورة إرسال هؤلاء اللاجئين على الفور دون تردد.
ومن الغريب أن هؤلاء الذين يطالبون بذلك، هم أكثر الأشخاص الذين يشتكون مما يسمونه استبداد الدولة. حيث أن أولئك الذين يعتبرون أنفسهم بالفطرة مواطنين الدرجة الأولى للدولة، يرون أنه من المفروض على الدولة أن لا تتوقف عن معاملتهم في هذا الإطار، لدرجة أن بإمكانهم مطالبة الدولة بمعاملة اللاجئين بطريقة خارجة عن إطار القانون الدولي إذا لزم الأمر.
لكن السؤال الذي لم يخطر ببال أحد؛ هو كيف تضمنون أن تعاملكم هذه الدولة في المستقبل، بعد أن قامت بمعاملة الآخرين بطريقة قاسية وغير قانونية، وبتشجيع منكم؟ كيف تتوقع من الدولة التي تحثّها على معاملة الآخرين بصورة غير قانونية، ان تعاملك غدًا بشكل حسن وقانوني؟ كيف تتوقع من شخص اعتاد على إظهار وجهه القاسي وغير المحترم إزاء الآخرين، أن يكون محترمًا ورحيمًا معك؟
أولئك الذين يشتكون من تقديم الرعاية الصحية من قبل الدولة للسوريين، يتغافلون أن هذه الدولة ذاتها تقدم لمواطنيها في الأصل أفضل رعاية صحية مجانية في العالم، منذ العام 2002. إضافة لذلك، فإن هذه الخدمة كانت ولا تزال تقدمها الدولة لمواطنيها عامة على اختلاف المستوى الاقتصادي، وفي كل مدينة وبلدة في مختلف أنحاء البلاد. وإن تقديم الخدمات دون التفريق بين غني وفقير في هذا الصدد، لهو نموذج فريد تختص به حكومات العدالة والتنمية في تركيا ويحق لها أن تفخر به. وبالطبع ليس هذا النموذج نتيجة عشوائية، بل هو مشبع بفلسفة وفكر وموقف مليء بالوعي، يراعي العدالة والمساواة والدولة الاجتماعية. وإن هذا النموذج الخديم لوحده يكفي لفهم كيف تنظر هذه الدولة إلى مواطنيها. جيب رؤية ذلك بوضوح.
إن مجرد الانزعاج من تقديم الدولة ذاتها هذه الخدمة الصحية للاجئين، يعتبر مشكلة إنسانية خطيرة.
إن الشكاوى التي تزعم بـ”بينما نُترك نحن المواطنين دون علاج، فإن الدولة تقدم للسوريين الطبابة والعلاج بالمجان” أو من قبيل “بينما ننتظر نحن في طوابير الحصول على دواء، فإن السوريين يحصلون عليه مجانًا دون انتظار”؛ لهي شكاوى بعيدة عن الواقع بشكل تام. تمامًَا مثل العبارة التي تزعم بأن “الدولة تساعد السوريين بينما نحن جياع” وبعدها الكبير من الواقع.
لا يوجد أي مواطن تركي يُحرم من العلاج والدواء، كذلك لا يتمتع أي سوري في الواقع بمعاملة أكثر امتيازًا من المواطن التركي. إلا أن بعض العبارات والشائعات تُردّد بالمجان.
إن الذين يرددون تلك العبارات وينشروها، هم بالطبع ليسوا جوعى، كما أنهم بالتأكيد ليسوا محرومين من الدواء والعلاج. وفي الوقت ذاته، لا يمكن إنكار أن هناك في تركيا أناسًا ذوي حاجة، إلا أن الدولة تخصص جهة معينة بمتابعة أحوالهم وحل مشاكلهم.
لا شك أن هناك من يحاول تأجيج لغة الحقد والكراهية والتحريض بلغة الغضب والتذمّر، بهدف جعل السياسة أمرًا مستحيلًا. وفي خضم ذلك الغضب لا أحد يستطيع أن يوضّح شيئًا للآخرن لأنه لا يوجد أحد يريد أن يستمع.
إلى جانب ذلك، ووسط بيئة تُثار فيه قضية اللاجئين دون كلل وملل، يرزت فجأة قضية اللاجئين الأفغان إلى الواجهة. ومن خلال مشاهد قديمة لأفغان وجدوا طريقًا نحو تركيا من خلال مهرّبي بشر ربما، تم تأجيج معاداة اللاجئين وكراهيتهم بشكل أكثر ضجيجًا هذه المرة.
وفي خضم هذه الحملة، انتشر شائعة بأن تركيا اتفقت مع الاتحاد الأوروبي على أن يقدّم لها 3 مليارات يورو بهدف رعايتها للاجئين الأفغان، وأن ما حصل هو نتيجة سياسة الباب المفتوح التي تسلكها أنقرة.
على الرغم من أنها مزاعم وشائعات عارية عن الصحة بشكل تام وواضح أصلًا، إلا أنه لا أحد يريد معرفة الحقيقة. من الغنّي عن التوضيح بأن نقول أنّ أنقرة لم تدخل في أي محادثات/مفاوضات ولم تعقد أي اتفاقية/تفاهم مع أي مسؤول أوروبي كان حول قضية المهاجرين الأفغان.
وليس من الصحيح أيضًا أن هناك تدفقًا للمهاجرين الأفغان بشكل أكبر من الماضي. وإن دائرة الهجرة توضح ذلك بالأرقام: لا يوجد أي زيادة في تدفق المهاجرين الأفغان إلى تركيا، بل هناك انخفاض في ذلك مقارنة مع الماضي.
يختلف وضع اللاجئين الأفغان عن السوريين، من حيث أن الأفغان هم لاجئون يبحثون عن أمل، دون أن يكون هناك ديكتاتور ينتظرهم في بلادهم حال عودتهم ويتوعدهم بالقتل أو السجن. بالطبع يمكن مناقشة أبعاد هذا النوع من البحث عن الأمل بين الدول المتقدمة وغير المتقدمة، إلا أنها في نهاية المطاف وعلى الأقل بالنسبة لتركيا؛ يختلف وضع الأفغان عن السوريين.
خلال ذلك، يجدر الإشارة إلى أن أولئك الذين يشتكون على الداوم من الهجرة الأفغانية أو السورية ويسألون عما تفعله تركيا في أفغانستان وسوريا، يمكنهم التفكير في الأمر عندما يهدؤون قليلًا.
أحيانًا تتطلب مكافحة الهجرة، أن تتواجد في البلد الذي يصدّر الهجرة. ولذلك فإن تركيا لم تتمكن من وقف تدفق اللاجئين بشكل كامل من سوريا إلا من خلال عملياتها في سوريا، بل وفتحت الطريق أمام عودة بعض اللاجئين الذين أرادوا ذلك طوعًا لا كرهًا. وينطبق الشيء نفسه على أفغانستان ولكن بطريقة مختلفة. وستتضامن تركيا مع أشقائها في إعادة إعمار البلاد في أفغانستان، بحيث يمكن منع هجرة البلاد في منبعها.