سادت العلاقات الثنائية بين تركيا وأرمينيا قطيعة طيلة العقود الثلاثة الأخيرة، بسبب المزاعم الأرمينية حول أحداث العام 1915، إلى جانب احتلال يريفان إقليم “قره باغ” الأذربيجاني، لكن العلاقات شهدت خلال الفترة الأخيرة مؤشرات إيجابية على التهدئة والتقارب.
كانت تركيا من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال أرمينيا من الاتحاد السوفييتي، في سبتمبر/ أيلول 1991.
وبالرغم من أنهما بلدان جاران، إلا أن العلاقات بين تركيا وأرمينيا، شهدت تقلبات عدة منذ استقلال يريفان، دون أن يتم تأسيس أية علاقات دبلوماسية حتى الآن.
وعقب استقلالها حصلت أرمينيا على دعم تركي كبير تمثل في إرسال مساعدات إنسانية لها لمواجهة أزمتها الاقتصادية، وبذلها الجهود لانضمام يريفان إلى مختلف المؤسسات والمنظمات والمنصات الدولية والإقليمية.
وقبيل تبادل البلدين للبعثات الدبلوماسية بينهما، قامت أرمينيا باحتلال إقليم “قره باغ” الأذربيجاني، مما أدى إلى تدهور العلاقات بين أنقرة ويريفان.
وإثر احتلال أرمينيا لمنطقة “كلبجار” الأذربيجانية، أعلنت أنقرة عام 1993، قطع علاقاتها التجارية المباشرة مع يريفان، إضافة إلى إغلاق المعابر الحدودية وقطع خطوط النقل البرية، والحديدية والجوية.
** أجواء إيجابية خيّمت على العلاقات عقب عام 2005
عقب وصول “حزب العدالة والتنمية” إلى الحكم في تركيا، أرسل رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، عام 2005، رسالة إلى الرئيس الأرميني آنذاك روبرت كوتشاريان، مقترحاً عليه تشكيل لجنة من مؤرخي البلدين للتحقيق في تفاصيل أحداث عام 1915 (مزاعم إبادة الأرمن)، وتقديم الحقائق التي تتوصل إليها، للرأي العام.
قابل “كوتشاريان” مقترح أردوغان بتطبيع العلاقات بين البلدين وإطلاق الحوار السياسي الرفيع، بدلاً من تأسيس اللجنة المذكورة.
وبحلول عام 2008، أرسل الرئيس التركي السابق عبد الله غل، رسالة تهنئة لنظيره سيرج سركسيان، إثر فوزه بالرئاسة الأرمينية، ليبادر الأخير بدعوة “غل” لزيارة بلاده، لمتابعة مباراة بين منتخبي البلدين.
وفي سبتمبر/ أيلول 2008، زار عبد الله غل، يريفان، ليكون بذلك أول رئيس تركي يزور أرمينيا منذ استقلالها.
كما زار “سركسيان” تركيا في العام التالي، استجابة لدعوة نظيره التركي عبد الله غل، وذلك لحضور مباراة الإياب بين منتخبي البلدين.
وتواصلت اللقاءات الدبلوماسية بين مسؤولي البلدين، بلقاء جرى في العاصمة الأمريكية واشنطن، بين رئيس الوزراء التركي آنذاك أردوغان وسركسيان في أبريل/ نيسان 2010، على هامش قمة الأمن النووي.
** بروتوكول لتطبيع العلاقات
وفي إطار تحسين علاقاتهما، أبرمت تركيا وأرمينيا في أكتوبر/ تشرين الأول 2009، “بروتوكول تأسيس العلاقات الدبلوماسية” بينهما، في مدينة زيورخ السويسرية.
البروتوكول الذي قوبل بانتقاد وتنديد من قبل الكنيسة والجالية الأرمينية والأحزاب القومية في أرمينيا، كان ينص على تطوير علاقات البلدين وإعداد خارطة من أجل ذلك، إلى جانب احترام الجانبين لحدود وسيادة ووحدة أراضي الطرف الآخر.
كما نص البروتوكول على فتح المعابر الحدودية بين البلدين، عقب شهرين من دخوله حيز التنفيذ، فضلاً عن تعاون الحكومتين في مجالات التعليم والثقافة والمعرفة والخدمات القنصلية.
وبالرغم من اتفاق البلدين أيضاً على افتتاح الممثليات الدبلوماسية بشكل متبادل، في إطار البروتوكول نفسه، إلا أنه لم يتم تطبيق أيّ من بنوده، بسبب تعليق أرمينيا عملية المصادقة عليه في أبريل 2010.
وفي فبراير/ شباط 2015، قام الرئيس سركسيان، بسحب البروتوكول المذكور من برلمان بلاده، قبل أن يعتبره في مارس/ آذار 2018 “بدون حكم”.
** انتصار أذربيجان ومحطة جديدة في علاقات أنقرة ويريفان
إثر تزايد الاعتداءات القوات الأرمينية على المدنيين الأذربيجانيين في القرى الحدودية بين البلدين، أطلقت أذربيجان في 27 سبتمبر/ أيلول 2020، عملية عسكرية رداً على تلك الاعتداءات.
وتمكن الجيش الأذربيجاني خلال 44 يوماً، من استرداد مناطق واسعة في إقليم “قره باغ”، فيما تم التوصل لاحقاً إلى اتفاق يقضي بانسحاب القوات الأرمينية من مناطق آغدام وكلبجار ولاتشين في الإقليم.
وأكدت تركيا وعلى لسان رئيسها أردوغان وباقي مسؤوليها، منذ اليوم الأول لانطلاق معارك “قره باغ”، على وقوفها إلى جانب أذربيجان في استرداد أراضيها المحتلة من أرمينيا.
وعقب انتهاء معارك “قره باغ” بانتصار أذربيجان على أرمينيا، شهدت العلاقات التركية الأرمينية اتجاهاً نحو التهدئة ومن ثم التقارب، تجسد ذلك في تصريحات أردوغان الذي أشار إلى إمكانية فتح صفحة جديدة في العلاقات بين أنقرة ويريفان.
وفي خطاب ألقاه الرئيس التركي أمام أعضاء البرلمان الأذربيجاني بالعاصمة باكو في يونيو/ حزيران 2021، أفاد أن الاستقرار والسلام في القوقاز لن يعودا بالفائدة على أذربيجان فحسب بل على أرمينيا ودول المنطقة والعالم بأسره.
وفي كلمة أخرى له يوم 25 أغسطس/ آب 2021، قال أردوغان إن هناك فرصة جديدة لتحقيق السلام الدائم في المنطقة، بعد تحرير إقليم “قره باغ”، مبيناً أن تركيا ستتخذ الخطوات اللازمة في حال اغتنمت أرمينيا هذه الفرصة.
بدوره، رحب رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، في سبتمبر/ أيلول 2021، بتصريحات أردوغان، مبيناً أن بلاده مستعدة للتشاور مع تركيا حول تطبيع العلاقات وإعادة فتح الطرق البرية والخطوط الحديدية بين البلدين.
** تعيين ممثل خاص لتطبيع العلاقات
أعلن وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، في ديسمبر/ كانون الأول 2021، تعيين بلاده ممثلا خاصاً في أرمينيا، لافتاً إلى دخول علاقات البلدين في مرحلة جديدة.
في المقابل، أعلنت أرمينيا، خلال الشهر ذاته، نائب رئيس البرلمان، ممثلا خاصا لها لدى تركيا.
وأتبعت يريفان خطوتها هذه بإعلانها رفع تمديد الحظر المفروض على استيراد البضائع التركية، الذي فرضته في ديسمبر 2020، بسبب دعم أنقرة لأذربيجان في معارك “قره باغ”.
وأخيراً، أعلنت وزارة الخارجية التركية أن الاجتماع الأول بين الممثلين الخاصين التركي والأرميني سينعقد يوم 14 يناير/كانون الثاني الجاري، في العاصمة الروسية، موسكو.