أتوا من آسيا الوسطى ومنطقة الأناضول منذ أكثر من 500 عام وما زال التركمان في لبنان يحافظون على لغتهم الأم وعاداتهم وتقاليدهم حتى يومنا هذا، مثلما ورثوها عن أجدادهم.
وبحسب بعض التركمان الذين تحدثوا لمراسل الأناضول، فإنهم جاؤوا إلى لبنان عام 1516 في عهد السلطان سليم الأول (1512 -1520)، بهدف تأمين طريق الحجاز التّجاري، وبعضهم جاء هربا من الجفاف في مناطقهم.
** تركمان لبنان بعشرات الآلاف
ويتوزّع تركمان لبنان على مناطق عدّة من البلاد، تأتي محافظة عكّار (شمال) في مقدّمتها، ويتركّزون في قرى الكواشرة و عيدمون (أكبر قريتين للتّركمان)، الدّبّابيّة، الدّوسة، ووادي الجاموس.
وفي محافظة البقاع (شرق) يتواجدون في مدينة بعلبك، و قرى النّعنعيّة، والشّحيميّة، وعدّوس، والحديدية.
كما ينتشرون بأعداد أقلّ في كلّ من مدينة صيدا (جنوب)، وبلدة القلمون (شمال)، والعاصمة بيروت، ومدينة طرابلس (شمال)، وقضاء الضّنّيّة، في قرية الحوّارة.
أمّا طرابلس، فتحتوي على أتراك جزيرة كريت، فبعدما فقدت الدّولة العثمانيّة السّيطرة على هذه الجزيرة في 1897، استقرّ أغلب سكّان هذه الجزيرة في مناطق مرسين و أزمير (تركيا) ومنهم من توجّه إلى طرابلس اللبنانيّة، ودمشق.
وبالنّسبة للعاصمة اللبنانية فتحتوي على الأتراك الماردينيين، الذين غادروا منطقة ماردين (جنوب تركيا) بسبب الأزمات الاقتصاديّة و البطالة واستقروا في بيروت.
الأتراك الماردينيون يتكلّمون اللغة العربية إلى جانب التّركيّة ما سهّل اندماجهم بسرعة أكبر في المجتمع اللبناني.
وأشهر العائلات التّركمانيّة؛ غورلي، عيتاوي، كوجا، حريك، كاراهاميت، عثمان، كاسان، باظان، ملحم، ثلوج، كنجو، أوزديمير.
وتشكّل الكواشرة، إحدى أبرز القرى التي تحتضن سكّانا حافظوا على هويتهم، ومازالوا يتحدّثون اللغة التركية إلى اليوم، ويبلغ عددهم نحو 5 آلاف نسمة.
وفي ظل عدم وجود إحصائيات رسمية، يقدر البعض عدد التركمان في لبنان بعشرات الآلاف، يتواجد الجزء الأكبر منهم في عكار.
** 500 عام لم تمحِ عاداتهم
وقال خالد الأسعد، (63 عاما) من الكواشرة، “جئنا إلى لبنان في عهد السلطان سليم الأول، في عام 1516، حيث اتخذنا من عكار، والساحل السوري، موطنا لنا في مواقع مهمة واستراتيجية”.
وأضاف “نحن هنا منذ 500 عام أو أكثر، وما زلنا نحافظ على لغتنا التركمانية وعاداتنا وتقاليدنا التي ورثناها عن أجدادنا”.
وتابع “أتذكر عندما كنت صغيرا، كان سكان الكواشرة يتحدثون التركية فقط، ولم يكونوا يتحدثون العربية”.
ولفت الأسعد، إلى أن “التركمان اليوم، وخاصة الجيل الجديد، لا يتحدثون التركية، وذلك بسبب النظام في المدارس وغيرها، والاختلاط مع العرب”.
وأشار إلى أن “المركز الثقافي التركي يرسل المعلمين لتدريس اللغة التركية إلى جميع القرى التركمانية في عكار”.
وأوضح أن “سكان الكواشرة جميعهم من التركمان، أما القرى الأخرى تسكن فيها أعداد متفاوتة من التركمان، ويختلطون مع العرب السنة والمسيحيين”.
ولفت الأسعد، إلى أن عاداتهم وتقاليدهم مازالت تختلف عن العرب، وخاصة في المناسبات، كالأفراح والأعياد والأحزان”.
وذكر أنه “في عيدي الفطر والأضحى مثلا بعد صلاة العيد نزور منزل المختار، ومن ثم نذهب مع المختار وأهل البيت الذي نزوره إلى منزل عائلة أخرى في البلدة، وهكذا، وهذه عادات إسلامية لتوطيد روابط الأخوة”.
وأشار إلى أن التركمان في بلدة درويس، في محافظة بعلبك (شرق) أتوا إلى لبنان قبل 300 عام من محافظة حمص السورية، حيث لم يكن هناك حدود في زمن السلطنة العثمانية”.
وشدد الأسعد، على أن “العثمانيين لم يقيموا الحدود بين الناس في ذلك الوقت، لأنها لم تكن تفرق بين شخص وآخر لا حزبيا ولا مذهبيا”.
وقال “تركيا تعرفت على التركمان من خلالي، عندما كنت جنديا في الجيش اللبناني في وحدة نزع الألغام، علِم أحد الضباط الأتراك الذي يعملون في الوحدة التي كانت تدرب الجيش اللبناني على نزع الألغام”.
وأضاف “بدأت أولى العلاقات في تركيا والتركمان في 1989، عندما ذهبت إلى السفارة للقاء السفير التركي آنذاك بطلب من الضابط المسؤول”.
واستذكر الأسعد، أنه عندما كان صغيرا كان يحلم دائما أنه في يوم من الأيام سيستقبل رئيس أو وزير أو مواطنين أتراك، ويأخذهم بالأحضان، شاكرا الله على تحقيق حلمه”.
ولفت إلى أنه “خلال مساعدة تركيا لأذربيجان في حربها لتحرير أرضها من الاحتلال الأرمني دعونا من قلوبنا لينتصر الإخوة الأذريين”.
وتابع “ومن جراء ذلك، بدأنا نبحث عمّا إذا كان هناك سفارة لأذربيجان في بيروت للذهاب إليها للمباركة لهم النصر، حيث استقبلتنا السفارة في لقاء حار”.
واستطرد “هؤلاء أقاربنا وإخواننا، وبدل أن تكون علاقتنا فقط بالسفارة التركية في بيروت، أصبح لدينا علاقة وطيدة مع سفارة أذربيجان”.
** التركية مازالت لغة العائلة
من جهته، أشار جبريل الأسعد (60 عاما) إلى أنه تعلم التركية من أمه وجده، عبر المحادثة منذ أن كان طفلا”.
وقال جبريل، في حديث مع الأناضول، “إننا كتركمان موجودون في لبنان منذ عهد السلطان سليم الأول، كما قال لي والدي”.
وأكد “أنهم كتركمان ما زالوا يحافظون على عاداتهم وتقاليدهم كما هي، وحتى اللغة التركية ما زالت المحادثة مع العائلة مستمرة، وإنما مع الجيران فنتحدث العربية لأنهم لا يعرفون التركية”.
ولفت إلى أن “العادات التركمانية، وخاصة في المآتم والأعراس، والدبكة التركية تتميز عن الدبكة اللبنانية المعروفة”.
وقال جبريل، إنه “لم يكن هناك زواج بين العرب والتركمان حتى زمن ليس ببعيد، ولكن بعد انفتاحنا على العرب أصبح هناك زواج مختلط بيننا”.
وأشار إلى “ضعف اللغة التركية عند الجيل الجديد يعود إلى ممارسات الحياة اليومية من المدرسة إلى العمل وغيرها، فكل الحياة بالعربي”.
وأردف أن “أصدقاءهم من العرب عندما يشاهدون مسلسل أرطغرل يقولون لنا: أجدادكم شجعان وأقوياء، وعاداتكم التي تمارسونها في الكواشرة تشبه إلى حد بعيد عادات قبيلة الكايا في المسلسل”.
واعتبر جبريل، أن “مسلسل أرطغرل أظهر صورة التركمان الحقيقية لكل العالم، الذي أخذ فكرة سيئة عن تاريخنا”.
أما الشابة غولاي الأسعد (29 عاما) فتعرف اللغة التركية من والدها، ولكنها تعلمتها أكثر عندما ذهبت لإكمال دراستها في جامعة أنقرة، في 2016، بفضل منحة من الحكومة التركية.
وقالت غولاي، إنها عندما كانت تعيش في العاصمة التركية أنقرة، لم تشعر أبدا أنها غريبة عن المجتمع التركي، وخاصة أن الأتراك عاملوها معاملة جيدة.
شاكر بازار (28 عاما)، لفت إلى أنه يقطن بقرية الشحيمية، في بعلبك، والتي يعيش فيها نحو 200 تركماني، ونعتبر أن تركيا الأخ الأكبر للبنان”.
ولفت إلى أن “التركمان هنا بحاجة إلى الكثير من المساعدة، ونحن نشكر دولتنا العظيمة التي دائما ترفع رؤوسنا بفضل مواقفها ودفاعها عن المظلومين”.