التقى الفنان التركي جمال فاتح بولاط، الإثنين، مجموعة من الأطفال التونسيين في ورشة حول خيال الظل التركي “الأراجوز” في إطار مهرجان أيام قرطاج لفن العرائس.
وتدور فعاليات الدورة الثالثة لمهرجان أيام قرطاج لفنون العرائس في الفترة الممتدة من 19 إلى 26 مارس/ آذار الجاري بمدينة الثقافة بتونس العاصمة.
وتتضمن هذه الدورة 44 عرضا وورشات موجهة للطلبة والمحترفين في هذا المجال منها ورشة صنع عرائس محمولة.
وحملت هذه الدورة شعار “ماريونات (دمى) فن وحياة”، بمشاركات من 19 بلدًا أجنبيًا وتكريمات لعدد من فناني العرائس من تونس وخارجها، وأبرزهم محمد نور ومحمد كشك من مصر عن عمليْ (الليلة الكبيرة ومحطة مصر)، وبشير جلاد من تونس”.
** الأطفال يرسمون “الأراجوز”
و”الأراجوز ” يلفظه التونسيون بـ”الكراكوز” ويعود للعهد العثماني ويعني اصطلاحا مسرح الظل حيث كان وسيلة للترفيه والفكاهة.
وهذه الورشة التي قدمها الفنان العرائسي التركي فاتح بولاط جمع فيها مجموعة من الأطفال الشغوفين بهذا الفن ليقدموا إبداعاتهم الجميلة.
ففي زاوية من مدينة الثقافة، تجمع عشرة أطفال في هذه الورشة وجلسوا على طاولات صغيرة وكراس ملونة، وهم يمسكون الأقلام لرسم خيال العروسة، مستعملين الألوان لتزيينها ثم اتخذوا المقص لقص زواياها ليخلقوا أشكال دمى جميلة بأنامل بريئة.
خلق الأطفال الذين اصطحبوا عائلاتهم بمناسبة عطلة الربيع المدرسية، أجواءً رائعة في الورشة حيث وجدوا ضالتهم فتراهم منكبين على أوراق التصوير ويتنافسون لتقديم الأفضل.
وقبل التصوير، يسألون العرائسي التركي، لمعرفة أصل المادة المصورة وتاريخيها من أجل اكتشاف معلومات جديدة ينشّطون بها ذاكرتهم الصغيرة.
هذه الورشة التي تستمر لمدة أربعة أيام ،قال العرائسي التركي إنها مناسبة لإبراز جمال هذا الفن للأطفال كي يتعرفوا على تفاصيله.
** دمى انتشرت منذ زمن
واعتبر بولاط في حديثٍ للأناضول أن “مواهب الأطفال المشاركين جعلتهم يرسمون ويبدعون في تصوير شكل الأراجوز”.
وأوضح أنه اختار تونس لتنظيم هذه الورشة “نظرا لأنها منذ القدم شهدت انتشارا لهذه الدمى والتي وصلتها عن طريق العثمانيين في القرن السادس عشر الميلادي”.
وتابع “ومن خلال هذه الورشة، يستعيد الأطفال هذا الفن المألوف في تونس كي يكتشفوا أسراره.. فتحضيره ليس بعملية سهلة وإنما تطلب جهودا للوصول لرسم متكامل للأراجوز”.
وعن شغفه بهذا الفن، قال بولاط إن “الأراجوز ونصر الدين خوجه بمثابة شخصيتان مشهورتان في تركيا كبرتُ معهما وكان لدي فضول كبير لاكتشاف هذا المجال من الداخل فقررت أن أصبح عرائسيا، واجتهدت كثيرا حتى أصبحت على ما هو عليه الآن”.
واستطرد موضحًا أن “طريقة تحريك الأراجوز بعصا وراء ستار من القماش الأبيض المسلط عليه الضوء، ما يجعل ظلها هو الذي يبرز للمشاهدين، جذبني كثيرا وحفّزني لخوض هذا المجال باعتباره يحمل الكثير من الأسرار”.
وزاد “فالمتفرج لا يرى سوى ما يعرض أمامه لكنه لا يعرف ما وراء الستار وهناك من لا يهتمون بذلك لكنني كنت مهتما كثيرا منذ الصغر باكتشاف ما خفي من هذا العالم، ورصد ما يتم من تعب وجهد وتحضير واعداد وعمل لتقديم لوحات كوميدية تسعد الناس”.
** فن أصيل
وعن أصل خيال الظل، يرى العرائسي التركي أنه فن وصل إلى تركيا من الصين مضيفًا “كان في القدم، إمبراطور صيني توفيت زوجته فحزن عليها كثيرا ومنذ ذلك اليوم، أصبح يلمح ظلها من وراء الشباك عندما يمر أي شخص من وراء البلور، فاتخذ الصينيون هذه الطريقة فنيا”.
واستطرد مبينًا أن “الصينيين حافظوا على الألوان الأبيض والأسود لكن في تركيا تمت إضافة الألوان والزينة وأصبح فنا فريدا من نوعه ومختلفا كثيرا، بفضل أنامل الأجداد”.
وأكد أن “هذا الفن أصيل وهو قادم من مدينة بورصه التركية (غرب)، ويحمل الكثير من الإبداع الفني والمسرحي والكوميديا والنقد في الآن ذاته”.
وزاد بولاط “حيث يُحكى أن أخوين، الأول يشتغل في جامع بإحدى مناطق تلك المدينة، والثاني يعمل حدادا يتحدثان كثيرا ويثرثران في جل المواضيع والقضايا في الدولة آنذاك، فكشف الحاكم أمرهما وعندما استمع اليهما وجدهما مضحكان وأصفح عنهما”.
وتابع “ومنذ ذلك الوقت أصبح هذان الشابان يجسدان دوري الأراجوز ويضفيان أجواء من السعادة والغبطة في الأحياء .”