المسحراتي في رمضان، ذاكرة مغروسة لدى أغلب المسلمين، يتنقل بين الأحياء السكنية لينبه الصائمين بحلول موعد السحور لينهضوا وينهوا سحورهم وصولا إلى صلاة الفجر.
هذه الذاكرة التي يتشارك فيها غالبية المسلمين، حاضرة في تركيا كل عام، حيث تعتبر من العادات الهامة، والتي يشترك بها الأتراك مع إخوانهم المسلمين وخاصة العرب، حيث يمكن رؤية المسحراتي في كثير من البلدان الإسلامية.
انطلاقا من منتصف الليل وحتى ما قبل صلاة الفجر، تسمع في أزقة إسطنبول وشوارعها دقات طبول المسحراتي، الذي يتم تكليفه عادة من قبل مخاتير وبلديات الأحياء السكنية لأداء مهامه في هذا الشهر الفضيل.
وعادة ما يحصل المسحراتي على أجره من سكان الحي الذي يعمل فيه، فينتظر حلول نهاية الشهر الكريم، ليطرق منازل سكان الحي الذي يتجول فيه، ويقرع طبلته أمام أبوابهم، فيحصل على إكراميته مقابل عمله.
** مهنة الأجداد
شكري تشالار، وهو مسحراتي في أحد أحياء إسطنبول القديمة، قال في حديث لـ”الأناضول”، عن مهنته التي يعمل عليها منذ سنوات طويلة، “أعمل كمسحراتي وريثا لوظيفة جدي ووالدي رحمها الله، ونحاول في مواصلة السعي من أجل إدامة هذه المهمة”.
وأضاف “أنا سعيد بهذا العمل ونحاول مواصلة العمل في هذه الوظيفة النبيلة في حي (يدي كوليه) بإسطنبول منذ سنوات، ومختار الحي على يعلم ذلك، بعد جدي كان والدي وعمي يعملان بنفس المهمة وأدامها إلى أن وصلت لي”.
وأوضح أنه حاليا يعمل مع عمه الآخر في مواصلة المهمة، ولا تزال مسؤولية المسحراتي لديهم بالعائلة في هذا الحي، ويعمل بمحبة في كل عام، وسيعمل جاهدا للاستمرار في العمل، على حد تعبيره.
وشدد “نأمل أن يستمر أبناؤنا وأبناء إخوتي في أداء الوظيفة من بعدنا، جدي عمل وظيفته سنوات طويلة هنا ونحن الآن نكمل المسيرة، ومختار الحي يضع ثقته بنا ولا يطلب مسحراتي آخر غيرنا”.
** محبة الناس
المسحراتي أكمل كلامه بالحديث عن علاقتهم مع أهالي الحي كل هذه السنوات الطويلة في عمله بالقول “نحصل على ردود فعل جميلة من سكان الحي ومن الأطفال خاصة، وذلك عندما نأتي حيث يستقبلنا الأطفال الذين يروننا كل عام ويعرفوننا بشكل جيد جدا”.
وأضاف “عندما يأتي مسحراتي آخر يساعدني في وظيفتي أحيانا، من مثل أقاربي وأصدقائي، يقول أهالي الحي لهم، نحن لا نعرفكم، في دليل على محبة الناس والأطفال ومعرفتهم بنا”.
وبين “ليس لدينا كثير من الآمال بالحصول على المال من هذه الوظيفة، ولكن نحصل على مكافآت وإن كانت قليلة لأبنائنا خلال الشهر الفضيل”.
وختم حديثه بالقول، “سأواصل عملي ووظيفتي وإن كان من دون أي مقابل هنا في كل رمضان، وذلك من كل قلبي وإخلاصي في العمل، على إيقاظ الصائمين للسحور”.
** عادة قديمة
وارتبط شهر رمضان المبارك بالكثير من العادات والتقاليد بينها المسحراتي، وهي وظيفة قديمة تخرج إلى الحياة مرة واحدة كل عام، وباتت من أبرز العادات والمظاهر الرمضانية المشتركة بين المسلمين.
ومع حلول شهر رمضان يطوف المسحراتي الشوارع في تركيا وكثير من الدول الإسلامية، لإيقاظ الناس لتناول وجبة السحور قبل أذان الفجر، حتى أصبح أحد معالم رمضان، وشخصية أثرية يُنتظر ظهورها مع هذا الشهر الفضيل.
ويتمسك كثيرون، في تركيا، ولاسيما في الأحياء الصغيرة، بالمسحراتي كتراث يعيدهم إلى الماضي وذكريات الطفولة، وبات تجوله ذاكرة حاضرة في تاريخ ووجدان كافة الشعوب الإسلامية.
ويحظى المسحراتي بإعجاب المسلمين وإن اختلفت النغمات والأشعار التي تلقى من قبلهم بتغير البلدان، لأنها تصب بالنهاية في اتجاه واحد وهو إيقاظ المسلمين من اجل فترة السحور.