زاد الهجوم الروسي على أوكرانيا القلق الاقتصادي والمعيشي في لبنان، بسبب تداعياته على اقتصادات الدول وأمنها الغذائي، ما دفع بمسؤولي هذا البلد للبحث عن حلول بديلة.
ويستورد لبنان معظم حاجاته من القمح من أوكرانيا وروسيا، إضافة إلى السكر والزيوت النباتية، في وقت يرزح فيه لبنان منذ أكثر من عامين تحت وطأة أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه.
هذا الواقع جعل الأسعار العالمية للسلع الغذائية والوقود ترتفع بشكل كبير، ما أدى إلى مضاعفة معاناة معظم اللبنانيين الذين فقدوا قدرتهم الشرائية على مدى عامين نتيجة تدهور عملتهم المحلية (الليرة) مقابل الدولار.
وقال وزير الزراعة اللبناني عباس الحاج حسن، إن بلاده تعتزم التوجه نحو زراعة القمح والقنب والزعفران، مؤكدا أن لبنان من بين الدول الأكثر تضرراً جراء التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا.
كلام الحاج حسن جاء في مقابلة مع الأناضول، أشار فيها أن الأزمة الروسية الأوكرانية أرخت بثقلها على اقتصادات المنطقة، ولبنان من بين الأكثر تضرراً كونه بلدا مأزوما اقتصادياً ومالياً واجتماعياً.
قمح مخصص لرغيف الخبز
كشف الحاج حسن، أن بلاده تعتزم وضع خطط لزراعة “القمح الطري” المستخدم في صناعة رغيف الخبز، حيث يستورد لبنان معظم حاجته من هذا النوع من القمح البالغة سنوياً 600 ألف طن.
ويُزرع في لبنان القمح “الصلب” بإنتاج يقدر بنحو 120 ألف طن سنويا، لكن هذا النوع لا يستخدم لصناعة رغيف الخبز العربي إنما لإنتاج البرغل والسميد.
كما أن جزءا من هذا المحصول يُصدر إلى إيطاليا، حيث يستخدم في صناعة عجينة “السباغيتي”، إلا أن الحكومة منعت مؤخراً تصدير الأغذية حفاظاً على الأمن الغذائي مع استمرار التصعيد العسكري الروسي ضد أوكرانيا.
حظر تصدير الأغذية
منتصف مارس/ آذار الماضي، فرضت الحكومة اللبنانية قيودا على تصدير المواد الغذائية “حفاظاً على المخزون الاستراتيجي الغذائي، وعدم التفريط بمكونات الأمن الغذائي وحاجات الناس الأساسية والضرورية”.
وقال الحاج حسن إن “زراعة القمح الطري ممكنة في لبنان، وتاريخياً كان يطلق على لبنان بأنه أهراءات (صوامع القمح) روما، حيث كانت سهوله تُزرع بالقمح الطري، ويُصدر الإنتاج إلى أوروبا”.
وعن إمكانية تحقيق الاكتفاء الذاتي بالقمح، استبعد الوزير اللبناني تحقيق ذلك قريبا، لكنه أشار أن ذلك ممكناً في السنوات المقبلة، لافتاً أن “بعض التجار والسياسيين وأصحاب المصالح الخاصة كانوا يعرقلون سابقاً النهوض بهذا القطاع”.
زراعة القنّب الهندي
أما بشأن زراعة “القنب الهندي” أو ما يعرف بالحشيش، لفت الحاج حسن أن القانون اللبناني أتاح زراعتها لأغراض طبية وصناعية فقط، ومن المنتظر بالأيام القادمة تشكيل هيئة تنظيمية لهذا القطاع وتحديد المراسيم التطبيقية.
وزراعة “القنب الهندي” من بين توصيات شركة “ماكنزي” الدولية للاستشارات الإدارية والمالية عام 2018 للبنان، لما قد توفره من أرباح لخزينة الدولة، تصل نحو مليار دولار سنوياً.
ورغم أن البرلمان اللبناني أقر عام 2020 قانوناً يجيز زراعة “القنب الهندي”، إلا أن المراسيم التطبيقية لذلك لم توضع بعد، ما يعرقل بدء منح التراخيص اللازمة لهذا النوع من المزروعات.
وبعيداً عن الأغراض الطبية والصناعية، فإن آلاف الهكتارات في لبنان تزرع منذ عقود حتى اليوم بنبتة الحشيش بشكل غير قانوني، وبحسب الوزير فإن هذا الواقع هو نتيجة ظروف اقتصادية واجتماعية وعدم تأمين الدولة اللبنانية لزراعات بديلة عن الحشيش.
ولبنان هو رابع منتج للحشيش عالمياً، وفق ما أعلنت الأمم المتحدة عام 2017، رغم أن قانون البلاد يعاقب على زراعته بالسجن والغرامة المالية، نظراً إلى استخدامه معجونا مخدرا.
زراعة الزعفران
نبتة أخرى، قد تشكل منفذاً اقتصادياً في لبنان هي “الزعفران” إحدى النباتات العطرية التي يمكن أن تنبت بجودة عالية في لبنان، أسوة ببعض الدول القريبة مثل تركيا وإيران، بحسب الوزير اللبناني.
وقال إنه تم التوصل مع منظمة الأغذية والزراعة “الفاو” التابعة للأمم المتحدة إلى وضع برنامج دعم لزراعة الزعفران بلبنان، لافتاً أن “هذا النوع من الزراعة يمكنه النهوض بالمجتمعات الريفية”.
الخبرة التركية
وأضاف الحاج حسن أن “الجانب التركي وعد خلال زيارتنا إلى تركيا بالمساعدة في هذا المجال من خلال إيفاد خبراء أتراك إلى لبنان لهذا الغرض نظرا للخبرة الكبيرة لديهم بهذا النوع من الزراعة”.
وفي فبراير/ شباط الماضي، أجرى وفد حكومي لبناني زيارة لأنقرة برئاسة رئيس الوزراء نجيب ميقاتي وبرفقة عدد من الوزراء بينهم الحاج حسن، تم خلالها بحث سبل تطوير التعاون بين البلدين على مختلف الصعد.
كما أشار الحاج حسن أنه على هامش مؤتمر منظمة الأغذية والزراعة الإقليمي للشرق الأدنى الذي عقد بالعاصمة العراقية بغداد، في فبراير الماضي، تحدث مع الوفد الإيراني الذي أبدى أيضاً استعداده لدعم هذا النوع من الزراعة.
وقال: “نحن منفتحون على الجميع ونريد التعاون مع كل دول المنطقة باستثناء إسرائيل التي هي عدو للبنان، وبالتالي كل دول المنطقة نحن بحاجة إلى مساعدتها، وهم بحاجة للتفاعل معنا”.
مليون شجرة من تركيا
في سياق آخر، لفت الحاج حسن أن لبنان أنجز الاستعدادات المطلوبة لتوقيع اتفاقية التعاون الزراعي في كل المجالات مع تركيا والتي تم الاتفاق عليها خلال زيارته أنقرة سابقاً ضمن وفد حكومي.
وقال إن “تركيا وعدتنا خيراً على هذا الصعيد، وقدمت للبنان هبة عبارة عن مليون غرسة شجر حرجية”، مشيرا أن “زراعة تلك الأشجار ستتم خلال هذا العام والعام المقبل”.
تركيا شريك في المنطقة
ولفت الحاج حسن إلى أن “ذلك يؤسس لشراكة حقيقية من التعاون الوثيق، بين لبنان وتركيا التي هي شريك في المنطقة”، مضيفاً “تركيا كالمملكة العربية السعودية هي شريك المنطقة، وكقطر، والإمارات والكويت ومصر، وإيران”.
وأردف: “هذه دول موجودة في المنطقة وعلينا التفاعل معها، نظرا إلى القرب الجغرافي أولاً، ومدى العلاقات والروابط التاريخية التي تربطنا بها”.