أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن موافقة بلاده على انضمام السويد وفنلندا لحلف شمال الأطلسي (ناتو) مرهونة بمدى مراعاة هذين البلدين للمخاوف الأمنية لتركيا.
جاء ذلك في مقال للرئيس التركي كتبها لمجلة “ذي إيكونوميست” البريطانية.
وقال أردوغان: “موقف السويد وفنلندا فيما يتعلق بمراعاة المخاوف والحساسيات الأمنية للدول التي تريدان التحالف معها، سيحدد مدى رغبة تركيا في رؤية هاتين الدولتين كحليفتين”.
وأبدى الرئيس التركي أسفه لعدم إدراك بعض دول الحلف التهديدات الموجهة لتركيا كما ينبغي، في الوقت الذي يقر فيه كل الأعضاء مجددا بمدى أهمية تركيا بالنسبة للناتو.
وأشار أردوغان إلى أن الحرب (التي بدأتها روسيا) في أوكرانيا، شكلت تحديا للنظام العالمي وللمعتقدات الشائعة حول الأمن الأوروبي الأطلسي.
ولفت إلى أن تركيا عضو لا غنى عنه في الناتو منذ 70 عاما، ونوه بأن القوات التركية شاركت في مهام الناتو في مناطق عدة بالعالم من كوسوفو إلى أفغانستان.
كما لفت إلى أن تركيا أنفقت مليارات الدولارات على تطوير صناعاتها الدفاعية وتعزيز قدراتها الدفاعية.
وأشار إلى أن المنتجات الدفاعية التركية خلقت تأثيرات هامة في مناطق حروب مختلفة بما فيها أوكرانيا.
وشدد الرئيس أردوغان على أن القدرات المتزايدة لتركيا أسهمت في تعزيز منعة الناتو وقوته.
وأشار إلى أن شركاء تركيا في الحلف رغم أنهم يشيدون بمساهمتها في الأمن الجماعي للناتو، إلا أنهم ينسون ذلك بسرعة عندما لا يكون أمنهم عرضة للتهديد.
ولفت إلى أن أطرافا عدة اعتبرت أن الناتو منظمة عفى عليها الزمن، في ظل تغير التهديدات حيال السلام والأمن الدوليين في الأعوام الأخيرة.
واستشهد أردوغان بتصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عام 2019 الذي اعتبر فيه أن الناتو يعاني من “موت دماغي”.
وشدد على أنه وبالرغم من تلك المواقف، فإن تركيا واصلت التأكيد على أهمية الناتو، ودعت الأعضاء إلى الإقدام على خطوات (مثل تحديث مهمة الناتو لتشمل التهديدات الجديدة وجعل المنظمة أكثر أهمية في مواجهة التحديات الجيوسياسية والعالمية الجديدة).
وأكد على موقف تركيا الداعي لإجراء بعض الإصلاحات في الناتو في ظل التهديدات الأمنية الجديدة.
وأفاد أردوغان بأن عدم اتخاذ خطوات كافية بخصوص الأمن الجماعي، لا سيما فيما يتعلق بالتهديدات الإرهابية، رغم الاستهداف المباشر للعديد من الدول الأعضاء، أضر بالتعاون الأمني وخلق حالة من عدم الثقة البالغة حيال التنظيم لدى الرأي العام في دول “الناتو”.
وأوضح أن تركيا شددت على هذا الوضع في جميع قمم الناتو التي شاركت فيها، وأكدت على ضرورة التعاون الدولي من أجل حدوث تبدل في قضية مكافحة الإرهاب.
ومضى يقول: “أردنا أن يتعاون الناتو بشكل أقوى في الشؤون الاستخباراتية والعسكرية أثناء مكافحة التنظيمات الإرهابية، وطرحنا هذا ليس فقط لمنع الهجمات الإرهابية، ولكن لإعاقة تمويل الإرهاب وأنشطة التجنيد داخل حدود الناتو أيضا”.
كما أشار أردوغان إلى أن بلاده تقدمت إلى “الناتو” بمطالب مشروعة وجوهرية، في وقت كان محيط تركيا يشهد حروبا داخلية.
وأضاف: “قدمنا هذه المطالب لضمان أمن حدودنا ومجالنا الجوي، ومن أجل ’الأمن الإنساني‘ عندما ظهرت أكبر موجة لاجئين في المنطقة منذ اندلاع الحرب العالمية الثانية”.
وأوضح ان تركيا تُركت وحيدة إلى حد كبير، وواجهت هذه الأزمات وحدها، ودفعت أثمانا باهظة خلال هذا الكفاح.
وذهب للقول: “يكشف الموقف الذي نشأ مع اندلاع الحرب في أوكرانيا عن مدى صحة توقعات تركيا والدعوات التي وجهتها، فبينما تسببت الصراعات في دمار كبير خلال هذه الفترة، فإن بعض الدول الأعضاء التي أدركت مكانة تركيا الجيوسياسية، رأت مدى صحة بعض التحركات التي قمنا بها في الماضي”.
ولفت إلى أن تركيا كانت محقة عندما أكدت لأعضاء الناتو ضرورة استعدادهم لمواجهة التحديات الجيوسياسية التي سيواجهونها في المستقبل.
وأعرب أردوغان عن أسفه إزاء فشل بعض الدول بشكل كامل في تقدير بعض التهديدات التي تواجه تركيا، في الوقت الذي عادت فيه كافة الدول الأعضاء في “الناتو” بالاعتراف بمدى أهمية تركيا بالنسبة الحلف.
وأضاف: “بالنسبة لتركيا، فإن قبول عضوية السويد وفنلندا ينطوي على مخاطر على أمنها ومستقبل المنظمة (حلف الناتو)، من حقنا الطبيعي أن ننتظر من هذه الدول التي تتطلع لأن يأتي ثاني أكبر جيش في الناتو لمساعدتها وفقا للمادة الخامسة، أن تمنع أنشطة التجنيد والتمويل والدعاية لـ ’بي كي كي‘ المعترف به أيضا كتنظيم إرهابي من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة”.
وشدد أردوغان على أن بلاده تطالب الدول المرشحة وقف أنشطة جميع التنظيمات الإرهابية وتسليم أعضائها إلى تركيا.
وأشار إلى ضرورة تقبل الدول المرشحة قبيل انضمامها للحلف حقيقة أن الإرهاب يشكل تهديدا لكافة الدول الأعضاء، وأن تركيا لن تغير موقفها في هذا الشأن مالم تتخذ هذه الدول الخطوات اللازمة.
– خطوة حاسمة
وفي السياق، قال أردوغان: “ترى تركيا أن أي حظر على الأسلحة (من النوع الذي تفرضه السويد على تركيا) يتعارض مع روح الشراكة العسكرية تحت مظلة حلف شمال الأطلسي”.
وتابع: “هذه القيود لها عواقب وخيمة ليس فقط على أمننا القومي، لكن أيضا على هوية الناتو”.
واستطرد: “أضاف إصرار السويد وفنلندا على الانضمام إلى الحلف بندا غير ضروري على أجندة الناتو. واعتراض تركيا على عضوية البلدين خطوة حاسمة تم اتخاذها نيابة عن جميع الأعضاء الذين كانوا هدفا للإرهاب حتى اليوم”.
وأوضح أن الإرهاب لا دين ولا عرق ولا لون له، ومن أهم مهام التحالف الوقوف بحزم ضد كل منظمة تهدف إلى إلحاق الضرر بالمدنيين.
وأكد أردوغان أنه قد لا تكون هناك دائمًا طرق مختصرة في حل المشكلات ودعم السلام والاستقرار العالميين، لكن يمكن اختصار هذه الطرق قدر الإمكان بفضل الخطوات الشجاعة والصحيحة التي يمكن اتخاذها.
وأشار إلى أن موقف السويد وفنلندا تجاه المخاوف الأمنية للدول الأعضاء في الحلف، سيحدد مدى رغبة تركيا في رؤية هذه الدول كحلفاء في الناتو.
وأضاف أن جهل وغطرسة من يجرؤ على التشكيك في علاقات تركيا مع المنظمة التي هي جزء منها، والتي تقف عند نقطة إيجابية وبناءة في كل عملية توسيع للحلف، لن يغير من موقفها.
ولفت إلى أن تركيا الدولة المنفتحة على كافة أشكال الدبلوماسية والحوار، توصي بتركيز الجهود على إقناع الدول المرشحة للعضوية.
وأكد أنه لا توجد دولة مترددة في محاربة الإرهاب لديها أي سلطة في أنقرة على إعطاء التعليمات، وأن مصداقية الحلف ستتعرض للخطر إذا طبق أعضاء الناتو معايير مزدوجة في محاربة الإرهاب.