لن تنسى الأجيال التركية السابقة، والتي عاصرت التطرف تجاه الدين الإسلامي بعد سقوط الامبراطورية العثمانية، وتحول نظام الحكم في تركيا إلى العلماني بعد أن كانت مركزا للدين الإسلامي في القرون السابقة. حيث عاش الدين الإسلامي في تركيا تضيق، وتهميش لا يوصف، وكان أبرز ما عملت علية الحكومة آن ذاك هو منع رفع الأذان باللغة العربية ورفعه باللغة التركية مما أدى إلى تشويه الأذان، وكل ما يرتبط به.
ولكن في 3 عقود الأخيرة أوْلت الحكومة القائمة حاليا في تركيا اهتماما خاصا بالأذان محاولةً استرجاع الماضي العريق، حتى أصبحت مثال يحتذى به، ويتم تداوله ومحاولة تطبيقه في دول مجاورة. حيث لا يغيب عن السياح القادمين إلى تركيا تميز، وعذوبة صوت المؤذن، وطريقة رفعة للأذان بصورة تتميز عن بقية العالم أجمع.
ويعود هذا التميز إلى أن الأذان يتم رفعه استنادا إلى مقامات موسيقية مختلفة تتوزع بصورة مدروسة، ومنظمة خلال اليوم. حيث أن المؤذن في تركيا لا يصبح مؤذن بين يوم وليلة إلا بعد تلقيه العلوم الخاصة بالأذان والمقامات الموسيقية التي يرفع بها.
يتلقى المؤذنون أو الأشخاص الذين يتم ترشيحهم للقيام هذه المهمة تدريبا على فن القراءة بالمقام من خلال دورات متخصصة تشرف عليها جهات رسمية. في السابق لم يكن هذا العلم مكتوبا أو محفوظا إنما يتم تناقله بصورة سمعية من كبار المؤذنين جيلا بعد جيل. حيث جرت العادة لدى الأتراك قديما، ومنذ قرون أن يتم رفع الأذان في مآذن للمساجد بمقاماتٍ موسيقية تناسب الوقت الذي يرفع فيه الأذان.
وفي لقاء مع لأستاذ محمد هادي دوران، أحد أكبر مؤذني مسجد “السلطان أحمد” بإسطنبول، والذي اجرته قناة الجزيرة، قال إن الآذان يرفع بخمسة مقامات على الترتيب، وهي الصبا والعشاق والرصد والسيكا والحجاز، وهذا في الوقت الذي يرفع فية الأذان في بقية العالم بمقام واحد أو مقامين. ويتم استخدام كل مقام لتحقيق غرض معين تبعا لنوعية المقام وما يحملة من مؤثرات على النفس البشرية، فمقام الصبا يحمل حزن يتماشى مع وقت السحر ولهذا يستخدم في أذان الفجر، أما العشاق ففيه حث وشحذ للهمم لهذا يستخدم في أذان الظهر، وفي الرصد راحة للنفس لهذا يستخدم في أذان العصر، والسيكا سريع يبعد التراخي لهذا يستخدم في أذان المغرب تبعا لان الفارق بين العشاء والمغرب قصير، والحجاز يتلاءم مع شجن الليل وسكونه لهذا يستخدم عن أذان العشاء.
وفي هذا السيق نوه الأستاذ دوران أن هذا الإختلاف في المقامات سببه أن أجدادهم أدركوا الفروق التي تصيب الإنسان خلال اليوم بين وهن وتعب ونشاط لذا عملوا على إحتواء هذه التقلبات في النفس البشرية، وفهمها من خلال تغيير نغمة الآذان التي يستخدموها أثناء الأذان، ودعوة الناس للصلاة”.
إضافة إلى المقامات الموسيقية المستخدمة في الأذان، فهناك بعض المساجد في المدن الكبرى تقوم بعمل مناظرات في الأذان فمثلا يقوم المسجد الأول برفع المقطع الأول من الأذان بمقام ما فيرد علية المسجد الثاني بمقام آخرأو بذات المقام، ولكن بنغمة وصوت أعلى بصورة خلابة تبهر السامع، وتعزز عظمة الأذان في قلبه.
لمزيد من التفاصيل شاهد التقرير التالي: