هل تساءلت يوماً عن هذا الرجل الذي تنتشر صوره في كل شوارع تركيا، مصطفى كمال أتاتورك؟ ربما كانت لديك فقط معرفة عامة عن التغييرات الجوهرية التي قام بها بعدما أسس “جمهورية تركيا الحديثة” وألغى الدولة العثمانية.
30 أغسطس.. يوم الظفر لكل الأتراك
في كلّ عام يحتفل الأتراك بهذا اليوم، وهو عطلةٌ رسمية بالطبع، تنتشر الصور في شوارعها عن يوم 30 أغسطس، يوم النصر الذي ينطق بالتركية “ظَفِر جونو”، لكنّ المصادفة الأخرى التي تراها منتشرةً في شوارع تركيا قبيل هذا اليوم هي ذكرى معركة ملاذكرد الشهيرة، التي انتصر فيها القائد الشجاع ألب أرسلان على البيزنطيين وأسر إمبراطورهم، ويعتبر ألب أرسلان جداً للأتراك إذ إنه مؤسس سلالة السلاجقة التي ستحكم عبر قرون مناطق واسعة من العالم الإسلامي والعربي على السواء.
لكن قبل أن نخوض في تفاصيل هذا اليوم يجب علينا أن نشرح أولاً بعض التفاصيل..
الدولة العثمانية تتهاوى وتختفي تحت ضربات أوروبا
كانت الدولة العثمانية في نهايتها تشهد ضعفاً وإنهاكاً متزايداً، فمن ناحية هناك مشاكل اقتصادية عديدة بسبب الاستدانات الدائمة من أوروبا، ومن ناحية هناك أعدائها: أوروبا في الغرب والإمبراطورية الروسية من الشرق، وأيضاً الحركات القومية الانفصالية في جميع أنحاء الإمبراطورية الواسعة.
دخلت الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى إلى جانب ألمانيا، لكن في منتصف عام 1915 بدأت الحرب تدور دورتها على الألمان والأتراك، لتفوز بريطانيا وحلفاؤها على الألمان وحلفائهم ومن ضمنهم الدولة العثمانية.
ومع هزيمة الدولة العثمانية والإمبراطورية الألمانية في الحرب، بدأ الأعداء يقتسمون معاً الكعكة، وكانت الكعكةُ الأكبر في حوزة الدولة العثمانية، ومن هنا بدأت حربٌ أخرى: حرب على مساحات النفوذ والسيطرة، بل تعدّى الأمر إلى ما هو أبعد من ذلك: احتلال إسطنبول نفسها، عاصمة الدولة المهزومة.
وبدأت معركة غاليبولي، التي هاجمت فيها بريطانيا وبعض حلفائها السواحل العثمانية في إسطنبول، وحاولت احتلالها، لكنّ الأتراك بقيادة مصطفى كمال باشا -الضابط الشاب حينذاك- استطاعوا التغلُّب على البريطانيين وحلفائهم في تلك المعركة، التي سمّيت “معركة المضائق”، وبعد هذه المعركة بدأ أتاتورك عدّة معارك أخرى ليستردّ بها هيبة الدولة المنهكة العاجزة.
في تلك الأثناء برزت شخصيات وطنيّة أخرى كثيرة في حروب الاسترداد تلك، مثل عصمت إينونو بك، وفوزي جاكماق لكنّ أكثرهم شهرةً وتأثيراً كان الضابط مصطفى كمال أتاتورك.
بعد هزيمة الدولة العثمانية، وقّعت حكومة السلطان الضعيف محمد الخامس معاهدة سيفر في 10 أغسطس عام 1920، كانت شروطها مذلّة للغاية للدولة، فقد تركت كل ما تحت أيديها من الأراضي، وجعلت أغلبها تحت الانتداب الفرنسي والبريطاني، مع بروز وطن مستقلّ للأكراد مع بعض الشروط المذلّة الأخرى.
أتاتورك مرةً أخرى يتحرّك، ويرفض المعاهدة فلا زالت لديه بعض الأوراق التي يستخدمها، وأولها: أنه صاحب الشعبية الأكبر، وصاحب الكلمة الأقوى في الجيش، ومن هنا قرّر التالي: عدم الاعتراف بمعاهدة سيفر، بل ولاحقاً حرم الموقعون عليها من حكومة السلطان من الجنسية.
بداية الاحتلال اليوناني
بعدما تقاسم الأعداء الدولة العثمانية، طالبت اليونان أيضاً بجزءٍ من “الكعكة”، فقد وعدها حلفاؤها الغربيون إذا هي دخلت الحرب بمساحاتٍ من الدولة العثمانية، ومن هنا تركتها بريطانيا -بل ودعمتها- في السيطرة على مساحاتٍ من الأناضول، من أراضي تركيا الحالية، فاحتلّت مدينة إزمير في مايو عام 1919، وبدأت توسِّع عملياتها فاحتلت في صيف 1920 مساحات أخرى حول إزمير مثل وادي نهر بويوك مينديرس وكارشياكا وألاشيهير، وبهذا فقد تم توسيع الاحتلال اليوناني ليشمل كامل غرب وشمال غرب الأناضول.
لاحقاً تمّ تبادل سكاني بين اليونان وتركيا الحديثة فخرج اليونانيون من إزمير والمسلمون من اليونان، وأصبح يوم الظفر هذا أحد أكبر شرعيات أتاتورك التي دعمت مواقفه وتحركاته في إلغاء الخلافة العثمانية فيما بعد والانكفاء على تركيا التي استطاع أن يحفظها من أنياب البريطانيين والفرنسيين والإيطاليين واليونانيين.