تقرير- محمد عبد الرحمن
قراءة- زاهر أكرم
قصة البداية
في عام 2013 أطلقت جمهورية الصين مشروعًا كونيًا ضخمًا يستهدف إعادة تعريف الجغرافيا السياسية والاقتصادية والثقافية لنصف العالم القديم على الأقل، مُصطلحةً على تسميته “مبادرة الحزام والطريق”.
خطوط طاقة وتكنولوجيا تصل إلى 12 ألف كيلومتر
وبشكل عملي مفصل فإننا نتحدث عن “بنية تحتية” متكاملة تضم طرقًا وموانئ وخطوط طاقة وتكنولوجيا يصل طولها إلى 12 ألف كيلو متر وتمتد من شمال شرق الصين حيث المراكز التجارية والصناعة الرئيسية إلى أوروبا عبر آسيا الوسطى في طريق شبه بري بالكامل ومن نفس نقطة الانطلاق ولكن جنوبًا إلى جنوب إفريقيا والبحر المتوسط.
ربط آسيا وأوروبا عبر تركيا
بالتزامن مع الإعلان الصينيِ عن إطلاق مبادرة الحرير والطريق كانت تركيا بالفعل على وشك الانتهاء من مشروع هندسيٍ ضخم يتقاطع مع ويخدم التصورات الصينية عن مسار طريق الحرير من الصين إلى أوروبا عبر الأناضول.
الْمَشروع المعني هنا هو مشروع ربط الشطر الآسيوي والشطر الأوروبي من مدينة إسطنبول ببعضهما البعض عبر سلسلة أنفاق تمر في جزءٍ منها أسفل المانع المائي الذي كان يفصل بين الشطرين: مضيق البسفور.
رأت أنقرة في المبادرة الحضارية تقاطعًا مع أهدافها الإستراتيجية في إقامة علاقات مستقلة مع الأقطاب الدولية الكبرى شرقًا وغربًا وفرصة لتعزيز طموحها في تحقيق أكبر استفادة من “الجغرافيا السياسية والاقتصادية”.
وفي غضون أقل من عقد بعد إطلاق المشروع عام 2004 كانت إسطنبول تنعم بمنظومة أنفاق تربط شطريها الأوروبي والآسيوي وتمر جزئيًا تحت مضيق البسفور لعبور السيارات والقطارات بأطوال تصل إلى 14 كيلومترًا وقدرة استيعابية تتجاوز 100 ألف سيارة وراكب يومًيا.
أول قطار بضائع بين الصين وتركيا
ثلاثة عشر شهرًا فقط فصلت بين رحلة الذهاب الصينية وقطار العودة التركي، ففي تمام الثانية ظهرًا بتوقيت إسطنبول انطلق قطار البضائع التركي في رحلةٍ استمرت نحو أسبوعين إلى مدينة “شيآن” الصينية كأول قطار في هذا الاتجاه بين البلدين.
انطلق القطار من ولاية تكير داغ مارًا بإسطنبول حيث عبر نفق مرمراي وولاية قوجالي وأنقرة وسيواس وأرضروم وقيصري إلى قارص شمال شرق البلاد ومن هناك إلى محطة آخالكالاكي جنوب غرب جورجيا ثم إلى طريق النقل الدولي العابر لبحر قزوين في أذربيجان وميناء أكتاو في كازاخستان وصولًا إلى الصين في رحلة تجاوزت 8500 كيلومتر.
مكاسب خيالية للبلدين
سيحقق مشروع القطار العابر للحدود مكاسب جمة للبلدين الصين وتركيا، فمن ناحية سيزيد القوة التنافسية لأنقرة وسيسهل عليها الوصول إلى سوق الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأكبر، والأهم بالنسبة لأنقرة أنه سيقربها من هدفها بأن تصبح أحد أقوى عشرة اقتصادات في العالم، كما قال عادل أوغلو وزير المواصلات التركي.
ومن جهة الصين وببساطةٍ شديدة كما قالت المتحدثة باسم الخارجية هوا تشونينغ عقب متابعة التطورات الخاصة بالقطار التركي الأول إلى بكين فإنه “سيسرع عملية الانتعاش الاقتصادي ويعزز روابط النقل والتجارة والثقافة” وهو ما يعني أن مبادرة الحزام والطريق في مسارها الصحيح.